السؤال: سؤالي يبتدئ من قصة حصلت بيني وبين والدي، حصل كلام بيني وبينه، ولكن فيه نوع من الحدة والعصبية، سبب الحوار والعصبية أنه أراد والدتي بكلام خاص،
وبمكان مغلق، فأنا رفضت، وفتحت الباب، وقلت ما فيه شيء خصوصي بينك وبين والدتي، وأنا لست صغيرة، وهذا أبسط حقوقي باعتبارها والدتي. بعدها عصب وتكلم عني بألفاظ قوية، وهددني بالضرب، وقلت له هذا أبسط حقوقي، أنت والدي وعلى عيني ورأسي، ولكن هذه والدتي تعاني من أمراض، وما أحد يعلم حالتها إذا تعبت إلا أنا، مع العلم أنه مقصر في واجباته مع والدتي ومعنا، ويقول لها كلاما قويا جدا لا يتحمله أحد، ويسبب لها أمراضا نفسية، وتفقد وعيها لأيام، ولا يذهب لمعالجتها أو السؤال عنها، ويهدد أبناءها بعدم معالجتها، وأنا كوني البنت الكبرى في البيت بعد زواج أخواتي أدافع عن والدتي لضعفها وعدم حيلتها تجاهه، تكلمت من خوفي أن تتعب، والسبب هو، وقلت له ذلك، قلت والدتي مريضة، وإذا كنت تريد أن تتكلم معها تعال تكلم معنا في مكان مفتوح، فأنا لست صغيرة، مع العلم أنه مبتعد عن والدتي حوالي 15 سنة، وبينهم محاكم شرعية، وعند خروجه من البيت بعد رفضي أن يتحدث مع والدتي بشكل خاص، خرج وهو غاضب وقال عسى الله لا يوفقك يا بنتي. مع العلم أنني أكن له الود والاحترام، ولم أقلل أدبي في الحديث معه، فهو في النهاية والدي، ولكنه متزوج بثانية وابتعد عن والدتي عند مرضها ولا يقوم بواجبه كوالد اتجاه أبنائه، ويقوم بتشويه سمعة بناته بشكل خاص عند أعمامهم، ولا يسأل عنا، بل نحن لم نحزنه يوما واحدا، وهو على العكس أحزن والدتي وقهرها، وأدخلها في دوامة لعدة سنوات، وعذبها نفسياً، وأبعد أبناءها عنها بالتهديد من الصغر، وأبعدهم عن أخوالهم، وهو السبب في كل ذلك. وتحدثي له بعدم الحديث لوالدتي لأنه قديماً عندما يتحدث معها بموضوع لا تتحدث والدتي عن ما حصل بينهم، وبعد عدة أيام نجدها في عالم ثان تصارع المرض لمدة أشهر، وهو يتهمها بالخلل العقلي، ويحرضنا على إدخالها للمصحة النفسية. مع العلم أن عقلها يزن بلدا. سؤالي لكم: هل أعتبر عاقة لوالدي في هذه الناحية؟ وماذا تنصحوني أن أفعل؟ مع العلم أن له زوجة ثانية ويريد أن أذهب للسلام عليها، وكسب رضاها، وعندما أذهب يعبس، ويرفع صوته علي قدامهم. أتمنى توجيهي. وجزاكم الله عني كل خير

الاجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت والدتك لا تزال زوجة لوالدك، فلا حقّ لك في منع والدك من الخلوة بزوجته، ومكالمتها بمفرده، وإذا كنت تكلمت معه بحدة وغلظة، فهذا من العقوق المحرم الذي هو من الكبائر، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. {الإسراء:23-24}
قال القرطبي –رحمه الله- : (وقل لهما قولا كريما ) أي لينا لطيفا مثل : يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء وقال ابن البداح التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله : وقل لهما قولا كريما، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ومن هذه الآية الكريمة تعلم أنه لا يجوز رفع الصوت عليهما، بل يجب التأدب معهما وخفض الجناح لهما.
فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، واسترضاء الوالد، وعليك طاعته في زيارته عند زوجته الثانية حيث أمكنك ذلك بغير ضرر، وإذا كان أبوك مقصراً في حقّ أمّك أو ظالماً لها، فعليك نصحه برفق وأدب، لكن مهما كان حاله فحقه عليك عظيم، وبره والإحسان إليه، فإنّه من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله- : قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. تحفة الأحوذي (6/ 21)
والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *