السؤال : هل قسوة القلب نفاق؟ وما علاقتهما ببعض؟ أشعر أني أكذب على الله، والعياذ بالله سبحانه، وأنا أعلم وأؤمن أنه يعرف سري وعلانيتي. لا أصلي لأرائي الناس، أصلي لله،

لكن أظن أن قلبي فيه خلل، لا أستطيع تحمله.
ما الفرق بين قسوة القلب، والحجب، والوحشة، والنفاق، وضعف الإيمان؟ وهل هي متلازمة لبعضها البعض؟ أم أن كل شيء منفصل عن الآخر؟ وماذا إن اجتمعوا؟ من أين أبدأ؟

الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي الحقيقة هذه أسئلة كثيرة، لا تكفي في إجاباتها فتوى، ولذلك سنقتصر على ذكر شيء مفيد مختصر، لعل الله ينفعك به. فنقول مستعينين بالله:

أولا: النفاق مرض من أمراض القلوب، وقسوة القلب مرض من أمراض القلوب، ولا يلزم أن يكون كل من قسا قلبه منافقا، ولا يلزم من الشعور بقسوة القلب أن يكون الشخص مرائيا غير مخلص لله. ففي صحيح مسلم أن حنظلة وأبا بكر -رضي الله عنهما- خافا النفاق على نفسيهما؛ لما يلاحظان من الفتور في بعض الأحيان بعد معافسة الأولاد والضيعات. قال حذيفة: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟.” قلت: يا رسول الله؛ نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فُرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة. ثلاث مرات.

أي لا يكون الرجل منافقاً بأن يكون في وقتٍ على الحضور والتدبر والتفكر وأداء حقوق الله، وفي وقتٍ على الفتور وقضاء حوائج نفسه، ومخالطة أولاده وزوجه وأمواله.

إذًا بيَّن الرسول لهما أن انشغال القلب، أو قسوته في بعض الأحيان بسبب مخالطة الدنيا ليس نفاقا، فالمسلم ليس مطالباً أن يكون قلبُه ومشاعره على نفس الحال التي يكون عليها وقت الموعظة، ولو ثبت القلب على هذا الحال لرأينا الملائكة رأي العين، ولصافحتنا على الفرش وفي الطرقات، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن النفس بطبيعتها بين إقبال وإدبار.

فالمسلم لا يكون منافقا إذا كان حاله متقلبا مقبلا على الذكر والتدبر والتفكر وأداء حقوق الله، وتارة يعتريه الفتور عن الذكر والعبادة، فينصرف إلى حظوظ نفسه من أنواع المباحات، ولكن في جميع أحواله هو لا يفعل الحرام، ولا يقترف الفواحش والمنكرات. ولكن الواجب على المسلم أن يغتنم أوقات إقباله على الطاعة فيتزود لأوقات فتوره، وفي وقت فتوره لا يقصِّر في واجب، ولا يقع في محظور، ففي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترتُه إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك. رواه أحمد وابن خزيمة.

يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر في فصل: (المواعظ والسامع): قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة والغفلة! فتدبرت السبب في ذلك فعرفته. ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها، لسببين: أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت وقوعها. والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح أن يكون كما كان؟. وهذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر: فمنهم من يعزم بلا تردد، ويمضي من غير التفات، فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا، كما قال حنظلة عن نفسه: نافق حنظلة! ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً، فهم كالسنبلة تميلها الرياح! وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه، كماء دحرجته على صفوان. انتهى

وأما كيفية التخلص من الرياء إن ُوجد: فقد ذكر الإمام الغزالي أن التخلص من الرياء يكون بأمرين:

أحدهما: قلع عروقه وأصوله التي منها انشعابه.

الثاني: دفع ما يخطر منه في الحال.

وذكر أن أصله حب المنزلة والجاه، وإذا فضل رجع إلى لذة المحمدة، والفرار من ألم الذم، والطمع فيما في أيدي الناس، ويشهد لما قاله هنا ما روى أبو موسى: أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ الرجل يقاتل حمية، ومعناه أنه يأنف أن يقهر، ويذم بأنه مقهور، وقال: والرجل يقاتل ليرى مكانه – وهذا هو طلب لذة الجاه، والقدر في القلوب – والرجل يقاتل للذكر – وهذا هو الحمد باللسان، فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله. متفق عليه. وأما دفع ما يخطر منه في الحال، فيكون بمجاهدة النفس، وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة، وقطع الطمع، وإسقاط نفسه من أعين المخلوقين، واستحقار ذم المخلوقين ومدحهم.

وأما علاج قسوة القلب، فقد ذكر الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان أنها تكون بأربعة أمور:

الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك، ودنس الكفر، وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدىً لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل، (أو من كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) [الأنعام: 122].

الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، وذلك يكون بالإيمان، والعمل بالصالح، وعمل أوراد الطاعات.

الثالث: الحمية عن المضار، وذلك باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.

الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، وذلك بالتوبة والاستغفار.

ثانيا: وأخيرا: قد ذكرت في سؤالك أنك تخافين من الرياء .

ونكتفي بهذا القدر في إجابتك، وأما سؤالك الثاني فلا تتسع الفتوى للإجابة عليه.

والله أعلم.

د/أمال بوسعادة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *