“مُحاكمة القرن” .. تطيح مبارك الى “طُرة” وتُعيد الثوار للميدان
مخاوف بين الشعب من براءة الرئيس المخلوع أو تخفيف عقوبته فى النقض
القوى السياسية بمصر تدعو لتشكيل مجلس رئاسى
وإنشاء محكمة ثورية لمحاسبة رموز النظام السابق
القاهرة –
انتابت جموع الشعب الثائر فى مصر موجة غضب عارمة عقب إعلان الحُكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة في قضية قتل المتظاهرين، والمُتهم فيها الرئيس المصري السابق محمد حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه، وعاد الى الثوار مرة أخرى الى ميدان التحرير ، واحتشد الثوار في الشوارع بمختلف محافظات الجمهورية مُعبرين عن رفضهم لأسباب الحكم على المتهمين .
فبعد ما يقرب من عام ونصف على قيام الثورة المصرية التى أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك ورموز الحزب الوطنى المنحل، الذي ظل يحكم مصر منذ عام 1981، وبعد مُحاكمة وصفها العالم بأنها مُحاكمة القرن، لم يتوقع المصريون براءة كلاً من علاء مبارك وجمال مبارك نجلا الرئيس المخلوع، والمتهمين في قضايا فساد واستغلال منصب والديهما، إلى جانب براءة 6 من أهم قيادات وزارة الداخلية فى العهد السابق والمتورطين في قتل نحو 1000 شهيد أثناء الثورة.
ورغم الحُكم على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالسجن المؤبد، إلا أن ذلك لم يشفع للثوار الذين دعوا جموع الشعب المصري للإحتجاج فى ميدان التحرير، وكافة ميادين مصر، اعتراضاً على المُحاكمة التى وصفوها بـ “الهزلية”، متهمين المجلس العسكرى الذى يدير البلاد منذ تنحى مبارك، وقيادات أخرى بالتورط فى إخفاء أدلة إتهام الرئيس السابق وقيادات وزارة الداخلية.
ما زاد من ثورة وغليان الشارع المصري، تأكيدات خبراء قانونيين ورجال قضاء أن فرص براءة مبارك وحبيب العادلي تكاد تكون كبيرة في النقض، خاصةً مع براءة المتهمين الأصليين والمُختصين بإعطاء التوجيهات والتعليمات لضباط الشرطة ورجال الأمن المركزي أيام الثورة.
وسط ذلك كله، يرقُد حالياً الرئيس السابق على سرير المرض في مستشفى سجن طُره فى حالة صحية متدهورة للغاية نتيجة تأثره بالحكم ضده ، فى المقابل تأتى حالة الغليان التي تسيطر على الشارع المصري واحتشاد الملايين فى مختلف الميادين قبل أيام قليلة من اجراء جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، والتي يتنافس فيها كلاً من محمد مُرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، والمحسوب على النظام القديم.
ورفع الثوار والمتظاهرون عدداً من المطالب العاجلة أمام المجلس العسكري الذي يدير البلاد، رافضين التنازل عنها تحقيقاً لمبادئ ثورتهم.
في مُقدمة المطالب، إعادة مُحاكمة الرئيس السابق ونجليه ووزير داخليته وقيادات الشُرطة المتورطة في قتل الثوار، إلى جانب تشكيل مُحاكمة ثورية لمحاسبة رموز النظام السابق سياسياً وجنائياً، وإنشاء مجلس رئاسي مدني يقود سفينة البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة، بدلاً من الانتخابات التى دعوا لمقاطعة جولة الإعادة فيها.
طارق الخولي، المُتحدث باسم حركة شباب 6 ابريل انتقد أسلوب مُحاكمة الرئيس السابق وعدم جدية المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة التى أصدرت الحُكم، خاصةً أنه كان بمقدوره إلزام كافة الجهات السيادية بالدولة ( المُخابرات العامة والمخابرات الحربية ) بتقديم المعلومات والأدلة التى تثبت تورط رموز النظام السابق في قضية قتل المتظاهرين.
وشدد ” الخولي ” على أن القاضي تسرع في إصدار الحُكم واعتمد على خطبة إنشائية – على حد تعبيره – قبل إصدار الحُكم، بهدف مخاطبة مشاعر الجماهير وضمان عدم إثارتها عليه، مُشيراً إلى أن النيابة العامة قد قصرت هي الأخرى فى التحقيق الجاد مع قيادات وزارة الداخلية ومساعدي حبيب العادلي الوزير الأسبق.
وفيما يتعلق بمستقبل الاحتجاجات ومدى استمرارها في الشارع المصري، أكد المتحدث باسم حركة شباب 6 إبريل، أن الثوار لن يتنازلوا عن مطلب إعادة المحاكمة وتشكيل محاكم ثورية، وأن وسائل الضغط الشعبي ستتواصل عبر الاحتشاد في الميادين المختلفة، مشدداً على أهمية تشكيل مجلس رئاسي مدني يضم الدكتور محمد مرسي وحمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، بهدف قيادة البلاد خلال الفترة المُقبلة، وضمان عدم ضياع حقوق الشهداء.
من جانبه طالب عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، وعضو مجلس الشعب المصري، بضرورة اصدار البرلمان قانوناً يقضي بتشكيل محكمة خاصة، برئاسة المستشار حسام الغرياني رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وحول مدى قانونية الاقتراح، خاصةً مع صعوبة إعادة المُحاكمة طبقاً للقانون المصري، أوضح “سُلطان” أنه استند فى طلبه إلى نص الفقرة 2 من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتى أجازت محاكمة أو معاقبة أي شخص عن أى فعل أو امتناع عن فعل إذا كان ذلك يعتبر وقت ارتكابه للجريمة طبقاً للمبادئ العامة للقانون المقررة فى المجتمع الدولي.
وفي الوقت ذاته، استنكر نائب رئيس حزب الوسط عدم تعاون أجهزة الدولة مع رئيس المحكمة في تقديم كافة الأدلة والمستندات، خاصةً أن موقعه القانوني يسمح له بإجبار تلك الأجهزة على التعاون معه، أو اللجوء لتأجيل القضية لحين اتضاح الموقف.
” أرفض إعادة المُحاكمة اتساقاً مع مبادئ العدالة والقضاء المستقل “، هكذا علق المستشار محمود الخضيري رئيس اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب المصري، مشيراً إلى صعوبة تنفيذ مطالب الثوار، طالما لم تظهر أدلة إدانة جديدة بحق مساعدى وزير الداخلية الأسبق، وبنجلي مبارك.
وأضاف ” الخُضيري ” أنه لم يتوقع صدور حُكم بالمؤبد على الرئيس السابق ووزير داخليته، لكن في الوقت ذاته، يُقدر مشاعر أهالي الشهداء والثوار الذين تمنوا اصدار حُكم بالإعدام.
وفيما يتعلق بفرص الرئيس السابق بعد النقض على الحُكم، قال رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب ( أتوقع تخفيف الحُكم بشكل كبير مالم يتم تقديم أدلة جديدة أو تنظيم صفوف الدفاع عن أهالي الشهداء والنيابة العامة ).
فيما انتقد ممدوح إسماعيل النائب السلفي بمجلس الشعب ، وعضو اللجنة التشريعية والدستورية آداء رئيس المحكمة، واصفاً الحُكم بالكارثي والمُتعجل، حيث يفتح الباب بكل سهولة أمام مبارك ووزير الداخلية الأسبق للحصول على البراءة بسبب فساد الاستدلال وعدم كفاية الأدلة، إلى جانب براءة المتهميين الأصليين، وعدم ثبات الفعل أو التورط.
وشدد ” اسماعيل ” على ضرورة إعادة محاكمة الرئيس السابق سياسياً وليس جنائياً، ومحاسبته على الفساد وإهدار المال العام بكافة مؤسسات الدولة، إلى جانب تصدير الغاز لإسرائيل بأبخث الأُثمان، مؤكداً وقوفه إلى جانب الثوار في مطالبهم العادلة التي تمثل أقل الوفاء لأرواح الشهداء.
وفيما يتعلق بمطلب تشكيل مجلس رئاسي مدنى يقود البلاد، أشار عضو اللجنة التشريعية والدستورية، إلى صعوبة تنفيذ ذلك الإقتراح، خاصةً مع اقتراب إجراء جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، إلى جانب أن الإعلان الدستوري والاستفتاء الذي وافق عليه الشعب في مارس من العام الماضي، يمنع تشكيل هذا المجلس، ويُبقي على المجلس العسكري فى قيادة البلاد لحين إجراء الانتخابات الرئاسية.
عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين – أشار إلى عدم موافقة الجماعة على تشكيل مجلس رئاسي مدني، خاصةً أن الشرعية الآن يحددها الصندوق الإنتخابي – على حد تعبيره – وليس أى شخص مهما كان موقعه، خاصةً مع اقتراب حسم جولة الإعادة.
وطالب ” العريان ” كافة فئات الشعب المصري، بالتمسك بما أسماها الفرصة الأخيرة لإنقاذ الثورة، والإلتفاف حول الدكتور محمد مرسي الذي مثل كل المصريين، وليس جماعة الإخوان أو حزبها فقط.
وفيما يتعلق بمحاكمة مبارك، أكد نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، استمرار تظاهر الجماعة في مختلف الميادين من أجل إعادة محاكمة الرئيس المخلوع، وإجبار مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة على التعاون مع المحكمة والنيابة العامة، رافضاً إعادة إنتاج النظام القديم من خلال تبرئة رموزه وخروجهم لممارسة أدوارهم مرة أخرى.