يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: كلما تعلقت بشخص تعلقاً؛ أذاقكْ الله مرّ التعلق؛ لتعلم أن الله يغار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هذا الكلام للإمام الشافعي. لكن ذكر نحوه بعض العلماء.
 قال ابن الجوزي: رأيت نفسي تأنس بخلطاء نسميهم أصدقاء، فبحثت بالتجارب عنهم؛ فإذا أكثرهم حساد على النعم، وأعداء، لا يسترون زلة، ولا يعرفون لجليس حقا، ولا يواسون من مالهم صديقا. فتأملت الأمر؛ فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئا يأنس به، فهو يكدر عليه الدنيا وأهلها، ليكون أنسه به. اهـ. من صيد الخاطر.
وقال ابن القيم: والله سبحانه وتعالى يغار على قلب عبده أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه، وأن يكون فيه غيره فالله سبحانه وتعالى خلقه لنفسه، واختاره من بين خلقه؛ كما في الأثر الإلهي: ابن آدم خلقتك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك، عما خلقتك له. وفي أثر آخر: خلقتك لنفسي، فلا تلعب، وتكفلت لك برزقك فلا تتعب. يا ابن آدم اطلبني تجدني؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا خير لك من كل شيء. ويغار على لسانه أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غيره، ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته وتشتغل بمعصيته. فيقبح بالعبد أن يغار مولاه الحق على قلبه ولسانه وجوارحه وهو لا يغار عليها.
وإذا أراد الله بعبده خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره، أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه. وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته، ابتلاها بأنواع البلاء، وهذا من غيرته سبحانه وتعالى على عبده .اهـ. روضة المحبين.

وفي مدارج السالكين: وقال بعضهم: احذره، فإنه غيور، لا يحب أن يرى في قلب عبده سواه.

ومن غيرته: أن صفيه آدم لما ساكن بقلبه الجنة، وحرص على الخلود فيها أخرجه منها، ومن غيرته سبحانه: أن إبراهيم خليله لما أخذ إسماعيل شعبة من قلبه أمره بذبحه، حتى يخرج من قلبه ذلك المزاحم. اهـ.

وأما قولك: (وما حكم قول إن الله تعالى أخذ يوسف -عليه السلام- من أبيه -عليه السلام-؛ لأن يعقوب -عليه السلام- كان متعلقا بيوسف -عليه السلام-).

فلم نقف على ذكر مثل هذا عند أحد من العلماء، وينبغي الإمساك عنه؛ لما فيه من نوع رجم بالغيب، وخوض فيه دون بينة، ولما فيه من الجرأة على مقام الأنبياء.

وقد جاء في تفسير الألوسي: وقد قضى الله تعالى على يعقوب ويوسف أن يوصل إليهما تلك الغموم الشديدة، والهموم العظيمة ليصبرا على مرارتها ويكثر رجوعهما إلى الله تعالى، وينقطع تعلق فكرهما عما سوى الله تعالى؛ فيصلا الى درجة عالية لا يمكن الوصول إليها الا بتحمل المحن العظيمة. اهـ.

وأما قولك:( وهناك من رد وقال: هل يعقل أن الله تعالى يكسر قلوب عباده على أحبتهم، لمجرد التعلق حاشاه.)

فهذا اعتراض لا معنى له، فإن الله يبتلي عباده بما يشاء. لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

 وتعلق القلب بغير الله قد يبلغ أن يكون معصية قلبية تستوجب العقوبة، وهذه العقوبة قد تكون خيرا للعبد من وجه آخر، فتُكفَّر بها من سيئاته، وقد تكون سببا في رجوع قلبه إلى الله.

كما تقدم قول ابن القيم: وإذا أراد الله بعبده خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه .اهـ.

وقد يكون الابتلاء زيادة في ثوابه ورفعة لدرجاته.

قال ابن تيمية: ونظير ذلك المصائب المقدرة في النفس والأهل والمال؛ فإنها تارة تكون كفارة وطهورا، وتارة تكون زيادة في الثواب وعلوا في الدرجات، وتارة تكون عقابا وانتقاما. اهـ. من الصارم المسلول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *