هل هو احتلال للقطر الليبي بقبعة ثورية؟

في 19/ 3/ 2011

تتلوَّن جلود الاحتلال ويُعاد تشكيلها حسب ظروف الزمان والمكان، لكنه يظل احتلالاً بأهداف ثابتة لا تتغيَّر.

ليس أوباما مختلفاً عن جورج بوش، وليست رأسمالية أوباما هي غير رأسمالية بوش. كما أنه ليس النفط الذي يريد أوباما أن يسيطر عليه غير النفط الذي كان يريده جورج بوش. فالشركات الأميركية العابرة للقارات لم تتبدَّل ولم تتغيَّر باستبدال جورج بوش بأوباما. والأخطر من ذلك كله لم تكن «إسرائيل» جورج بوش غير «إسرائيل» أوباما.

لم يتغيَّر بين الرئيسين إلاَّ الإسم واللون، ولم يتغيَّر بينهما إلاَّ الطريقة والوسيلة، أما الغاية فهي واحدة ثابتة ثبات النظام الرأسمالي. والغاية عند «ميكيافيلليِّي الرأسمالية» تبرر الوسيلة.

لقد احتلَّ جورج بوش العراق، وباستثناء إرادة الشعب العراقي وكرامته، وعمد إلى تدميره بالكامل بالإكراه الشديد من دون شفقة أو رحمة، وكان المدخل لذلك إسقاط ما زعم أنه كان «نظاماً ديكتاتورياً»، لذلك فقد جمَّل أهدافه وزيَّفها وغطَّى وجهها بقبعة عراقية زعم أنها كانت معارضة للنظام «الديكتاتوري»، لكن تلك المعارضة سرعان ما كشف عن وجهها الحقيقي تدمير العراق وسحق أهله وسرقة خيراته وثرواته.

وفي هذه اللحظة قام أوباما باحتلال ليبيا بالقوة قبل أن يحتلها بالفعل، عندما قرَّر احتلالها، ووفَّر لهذا الاحتلال كل شروطه ومستلزماته ومقدماته:

 -دفع بعضاً ممن تُسمَّى بالمعارضة الليبية للتسلل إلى صفوف ثوار ليبيا الحقيقيين الذين عانوا ما عانوه من عنت القذافي وقهره وتهجيره وفساد القلة القليلة بالاستئثار بثروات ليبيا وخيراتها، والاستئثار بكراسي السلطة حتى ولو كان قد لوَّنها بألوان شعبية خضراء.

-جهَّز وسائل الإعلام التي يموِّلها بتضخيم أخطاء القذافي، ولم تتورع عن ابتكار ما يحلو لها من التهم، وكل ذلك لنشر غيوم من التشكيك لتغطية أهداف أوباما الحقيقية من جهة، وإعطاء شرعية لعدد من المعارضين الموالين له من جهة أخرى، أي هؤلاء الذين ركبوا موجة طلائع الثورة المشروعة لكي يقوموا باحتواء الثورة لمصلحة أولياء نعمتهم من المخابرات الأجنبية.

-دفع بعدد من الأنظمته العربية الموالية له للترويج لفرض حظر جوي في أجواء ليبيا بدعوى حماية السكان المدنيين. ولكن ممارسة القذافي الوحشية باستخدام الطيران لا يغيِّر من الأمر شيئاً، وإنما وفَّر الدليل والبرهان للدعاوى والأضاليل التي جهَّزت المخابرات الأجنبية نفسها لتترافق مع قرار الاحتلال وتنفيذه.

-أطلقت جامعة الدول العربية بالوناً أولياً للتضليل أيضاً عندما «حذَّرت» من التدخل الأجنبي في شؤون ليبيا. ولكن لم تترك مساحة زمنية كافية كي يبتلع الرأي العام العربي طُعم الخديعة. ومن بعدها روَّج الإعلام الغربي لخديعة أخرى عندما أعلنت أنظمة الغرب الرأسمالية أنها لن تقدم على أي تدخل في ليبيا إلاَّ بناء على طلب من العرب. وبناءً على الإيحاء الغربي سارعت جامعة الدول العربية، باستثناء أربعة من أعضائها، إلى اتخاذ قرار يُسمح بموجبه للدول الأجنبية بفرض حظر جوي في سماء ليبيا لـ«حماية المدنيين الليبيين»؟!.

-وبسرعة لم يشهدها مجلس الأمن الدولي، وهو من يُفترض مبدئياً أن تكون مقاييسه ومكاييله واحدة، فقد اتَّخذ قراراً يستجيب فيه لدعوة جامعة الدول العربية «الإنسانية»!! وعلى ضوء هذا القرار، لم ينم متَّخذوه ليلة واحدة ولم يترَّيثوا من أجل تطبيقه، بل أعلنوا أنهم سيقومون بتطبيقه خلال ساعات. وهكذا تكون الإنسانية و إلاَّ بلا؟!

بعد إعداد المسرح لارتكاب الجريمة الكبرى، جريمة احتلال القطر العربي الليبي، ظهرت طلائع الاحتلال وبانت في سماء ليبيا. وستشهد الأيام القادمة تداعيات ما اتُّخِذ من قرارات دولية ظهرت علينا مغلَّفة بعباءة عربية.

تجاه ذلك، لم يبق لدينا من كلام إلاَّ الآتي:

أولاً: أن ندعو من القلب أن ينتصر الشعب الليبي بتحقيق أهدافه المطلبية والإصلاحية والوطنية. وأن تكون حساباتنا المتشائمة خاطئة، فنتراجع عن تلك الحسابات.

ثانياً: إذا صحَّت توقعاتنا، فندعو ثوار ليبيا الحقيقيين أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمقاومة الاحتلال المقنَّع القادم على ليبيا. وساعتئذٍ سيجد ثوار ليبيا كل الصادقين بعروبتهم جنوداً في معركة التحرير.

ثالثاً: لم يبق لدينا إلاَّ أن ننادي من باركوا لثوار ليبيا بالنصر قبل أن تكتمل فصوله أن يبقوا على حذر واستعداد لإعلان المقاومة الشعبية العربية ضد الاحتلال الجديد. نقول ذلك بينما نحن نتمنى أن يكون نصر الشعب الليبي نصراً ثورياً لا أن يكون نصراً غربياً لاحتلال ليبيا بقبعة ثورية ليبية