تحديات قبرص الجنوبية في ضوء فوز توفان إرهمن: القيادة، الاقتصاد، ومستقبل التوحيد

بعد فوز توفان إرهمن في رئاسة قبرص الشمالية، عادت الأنظار مجددًا إلى قبرص الجنوبية، التي يقودها الرئيس الحالي نيكوس خريستو دوليديس. يُعرف دوليديس بشخصيته الشابة النشيطة والحيوية، حيث يظهر باستمرار في وسائل الإعلام والجرائد بمظهر واثق وحيوي، يعكس طاقته وحماسه للعمل السياسي. ومع ذلك، تُظهر التجربة أن الحيوية وحدها لا تكفي لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي تواجه الجزيرة، ولا لتحقيق تقدم ملموس في مفاوضات التوحيد مع الشمال.

تواجه قبرص الجنوبية تحديات متعددة، أبرزها تحسين الاقتصاد الوطني، تطوير البنية التحتية، جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز القدرة على إدارة مفاوضات توحيد الجزيرة بكفاءة. ويُعد غياب مستشارين أكفاء ونزيهين أحد أبرز العوائق أمام الرئيس، إذ يجب أن يكون هؤلاء المستشارون ذوي خبرة سياسية واقتصادية، ويضعون مصلحة البلاد فوق أي اعتبارات شخصية أو حزبية، مع الابتعاد التام عن المحسوبية والوساطة، التي تعتبر جذور الفساد التي أضعفت هياكل الدولة على مر العقود.

مع فوز إرهمن في الشمال، أصبح الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2026 محور الاهتمام، مع التساؤل حول ما إذا كان الرئيس دوليديس سيترشح لولاية ثانية أم ستظهر أسماء أخرى في السباق الرئاسي. ومن بين المرشحين المحتملين، يبدو نيوفيتوس أفيروف الأقوى، نظرًا لخبرته الطويلة وقدرته على القيادة السياسية. ورغم أن بعض الأطراف قد تعتبره متسلطًا أو مغرورًا، فإن التحليل الموضوعي يُظهر أنه سياسي محنك، يمتلك رؤية واضحة، وعلاقات سياسية قوية تمكنه من تعزيز الاقتصاد القبرصي والمساهمة في دفع مفاوضات توحيد الجزيرة قدمًا.

يعتمد نجاح أي قيادة مستقبلية لقبرص على عنصرين رئيسيين: الأول، وجود مستشارين كفء ونزيهين يضعون مصلحة البلاد فوق كل اعتبار شخصي أو حزبي، بعيدًا عن الوساطة والمحسوبية التي تسببت في تدهور هياكل الدولة؛ الثاني، اعتماد سياسات اقتصادية واضحة وشفافة تعزز جذب الاستثمارات وتضمن حسن إدارة الموارد، مع التركيز على تعزيز الاستقرار المالي والبنية التحتية الأساسية. وعند الجمع بين الحيوية القيادية والخبرة السياسية مع مستشارين أكفاء واستراتيجية واضحة، يمكن لقبرص الجنوبية تحقيق نهضة اقتصادية ملموسة وتقدم حقيقي في ملف توحيد الجزيرة.

وفي نهاية المطاف، ستكون المرحلة القادمة حاسمة لكل من الشمال والجنوب، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة. إن نجاح قبرص لا يعتمد فقط على نشاط الرئيس وحيويته، بل على جودة الفريق المحيط به، ونزاهة المستشارين، وقدرتهم على مواجهة الفساد وضمان أن تكون مصالح الدولة العليا هي الأولوية، بعيدًا عن المصالح الشخصية والمحسوبية التي أعاقت التنمية والاستقرار على مدار سنوات طويلة.
د/امال بوسعادة العلمي