إيران وأميركا:
تحالف استراتيجي على تقاسم مناطق النفوذ في الوطن العربي
حسن خليل غريب في
جاء المقال رداً على سؤال تمَّ توجيهه من قبل المركز العربي – الأوروبي. ونص السؤال: (ما صحة ما يشاع عن مشروع تسوية اميركية – ايرانية حول عدد من ملفات المنطقة؟).
ونص الجواب:
إن القاعدة في العلاقات الأميركية – الإيرانية هي المساومات المستمرة حول قضايا الوطن العربي من أجل تبادل المصالح، ولذلك نعتبر القول بأن هناك إشاعات ليس دقيقاً، بل تستند الحقيقة إلى واقع ثابت في تلك العلاقات، لتشكل الإشاعات تأكيدأ لحقيقة التسويات، وأقل هذا الحاصل يعود إلى ما قبل احتلال العراق. وعندما شاركت إيران الأميركيين باحتلال العراق كانت هذه المشاركة مرتبطة باتفاق ثابت تلاقت فيه مصالح الطرفين الحليفين، ولم تتغير ظروفه وأهدافه حتى هذه اللحظة.
وعندما انسحبت أميركا من العراق، وتركت من جنودها ودبلوماسييها عدداً لا يكفي لحماية وجودها في العراق، وهي إنما انسحبت وتركت كل أولئك فإنما لأنها مطمئنة إلى بقائهم تحت خيمة الحماية الإيرانية. وفعلت ذلك تحت طائلة الاستمرار في مفاعيل الاتفاق المبدئي بين الطرفين.
لكل ذلك هناك مشاريع تسويات دائمة بين الطرفين، الآن وقبل ذلك، وسيستمر بعد ذلك.
ويتحول السؤال بمفهومنا إلى الشكل التالي:
ما هو بتقديرنا حجم تلك التسويات بين الأميركيين والإيرانيين؟
لا شك بأن هناك تقاسم في التأثير على ما يسمونه (الربيع العربي)، ويسكت الطرف منهما عن الآخر في هذا التأثير، ولكن ما يختلفان عليه، هو ما يعتبره كلٌ منهما حصته النظيفة هنا أو هناك، وأكثر الأمثلة وضوحاً ما يجري في البحرين وسورية وما جرى في اليمن.
وهما إنما اتفقا على تأييد ما جرى في تونس ومصر وليبيا، لأن حجم التأثير الإيراني هزيل. وسكوت إيران عما جري فيهما، لأن التغيير فيهما إذا لم تقطع منه إيران حصة فعلى الأقل يزيح عن دربها نظامان لم يكونا على علاقة ودية معها. فكان عدم وقوع اشتباك بينهما أمراً عادياً. وهما افترقا في المواقف حول البحرين وسورية واليمن، لأن إيران تعتبر أن مدى تأثيرها على تلك الساحات إنما يفوق التأثير الأميركي فانخرطت بمعركة شرسة مع أميركا لمنعها من اكتساب موقع قوة في كل من تلك الساحات.
وإذا كانت في ساحات (الربيع العربي) مساحات مشتركة بين الطرفين الأميركي والإيراني ومساحات يفترقان فيها، فإنهما متفقان ومتفاهمان على الساحة العراقية وحولها، وأقل ما هما متفقان عليه هو هدفين: البقاء في العراق لمنع إستعادة تأثيره الوطني العراقي والقومي العربي أولاً، ولإبقائه مقسماً على طريق إنجاز كامل المشروعين: مشروع الشرق الأوسط التقسيمي، ومشروع ولاية الفقيه الذي يقضي بتقسيم الوطن العربي أيضاً، وهما مهما اختلفا على الساحة العراقية فإنما يختلفان على تفاصيل الصفقة وليس على أهدافها الأساسية.
لم تنقطع استراتيجية التسويات حول العراق بين الحليفين فعلاً اللدودين نظرياً، بل كانت موازين التأثير في العراق تميل لمصلحة أميركا في بداية الاحتلال وكان التأثير الإيراني ملحقاً به يعمل على الاستفادة من ظروفه بعد أن أسقط الاحتلال النظام الوطني في العراق، وكان يكفي إيران في البداية هو إسقاط نظام كان يعتبر العدو اللدود لها.
ولكن بعد أن أنهكت المقاومة الوطنية العراقية الاحتلال الأميركي كانت إيران المستفيد من نتائجه، وكلما كانت جدران الاحتلال الأميركي تميل نحو الضعف، كان التأثير الإيراني يميل باتجاه القوة، وبلغت أعلى درجات قوته بعد الانسحاب الأميركي الأخير، وفي تلك اللحظة أصبح الاحتلال الإيراني هو الأساس، بينما التأثير الأميركي أصبح ملحقاً به، ولكنه ما يزال يراهن على متغيرات ما تقلب الموازين مرة أخرى لمصلحة أميركا. ولهذا السبب لجأت أميركا إلى أسلوب المساومات والتسويات مع إيران في هذه المرحلة، وأصبحت تفضل أن يبقى تأثيرها محدوداً فهو أفضل من لا شيء. وعلى الرغم من محدوديةتأثيرها الآن إلاَّ أنها تراهن على إحداث حالة تراكم جديدة تعيد واقع الموازين مع إيران إلى سابق عهدها. وما اشتراكها في دعم ما تسميه (الربيع العربي) بقوة إلاَّ من قبيل التمهيد للدخول إلى عراق خاضع للتأثير الأميركي من بوابة حصصها في الأنظمة الجديدة التي يتم بناؤها في الدول العربية التي تشهد ليس حراكاً شعبياً من أهم أهدافه الإصلاح فحسب، بل تشهد تمزقاً أهلياً وفوضى خلاقة وحروباً تكاد تتحول إلى حروب أهلية تحرق أخضر الدول ويباسها.
وإذا كان الأميركيون يمتلكون الإمكانيات الكبيرة، هذا إذا ما أضيفت إلى إمكانيات دول الغرب لمتابعة دعم ما تسميه بـ(الربيع العربي)، فهم أقدر على الصمود من إيران ضعيفة الإمكانيات التي يتم استنزافها ببطء. وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال، أي بخداع إيران الشبيهة بالقط الذي يلحس المبرد، فستبقى إيران التي تتعرض للاستنزاف تلعق بدمها، وهي لا شك واصلة إلى الإفلاس التي لا شك بأنها ستعلن إفلاسها وسوف تخسر أي دور مؤثر لها في الوطن العربي، وهي تخلق العداوات مع العرب بدلاً من أن تكون صديقة لهم.
وإذا كان لا بُدَّ من أمنية صادقة قبل اختتام جوابنا، فهو موجَّه للشعب الإيراني فنقول: بأن إيران أعجز من أن تكون قوية من دون عراق عربي وموحد، وهي لن تكون قوية إلاَّ إذا كانت جاراً حسن الجيرة للوطن العربي.